تجربة متطوع
لم يكن أبي بخيلا ولم تكن أمي بخيله, وعشت أيام الطفولة, عشتها بكل تفاصيلها بحلوها ومرها وسعادتها وتعاستها, فرحت وحزنت وأخذت وحُرمت وكبرت, وجرتني نفسي للسفر ودرست في بلد ليست بلدي وتخرجت وعدت إلى بلدي المحتل بلدي الذي يعاني بلدي المحاصر والمسلوب ورأيت شعبا يعاني شظف العيش وقلة الفرص, كل شيء مهدد إما بالتصدع أو الانهيار أو حتى الزوال, وبت اسمع وارى كثيرا من الأحاديث والمواقف والمواقع ...الأمن ...الحواجز...الفوضى...التزاحم... قلة الفرص في معظم المجالات...وكأن المجتمع كله مهدد بالمعاناة والضياع بل كل المجتمع يعاني.
والضحايا كثيرون من مختلف الفئات والشرائح وخاصة الأطفال والشباب, ومع هذا التصوير للحالة فان المجتمع يحتاج إلى جهد كبير لزيادة الترابط والبناء ولابد للجميع أن يشارك قدر ما يستطيع ولو بمسمار في سفينة.
ومن بوابات المشاركة الفاعلة والتي تدل على إخلاص الإنسان فيما يقوم به هو العمل التطوعي والذي يقوم أساسا على العمل دون مقابل, مما يؤكد روح العطاء وحب العمل وتطوير الذات والسعي لفتح آفاق جديدة لم يكن ليدخلها و يحسن من أدائه الاجتماعي والمشاركة. وهنا دعوة للشباب الذين يريدون أن يثبتوا أنهم جزء من مجتمعهم ويريدون أن يكرموا أنفسهم فأفضل وأسهل الأبواب وأقربها باب التطوع, حيث أن التطوع تعبير عن دافع داخلي للخير والعطاء, ويتأكد ذلك عند من يستمروا بما بدؤوه دون ملل, والتصميم على تحقيق الهدف وان كان بعيد المدى.
وعلى قاعدة أن المشاركة طريق للتعبير عن الذات واثبات الوجود فاني سارعت دون تردد للمشاركة في التطوع في برنامج أخ كبير أخت كبيره, هذا البرنامج الذي يعتبر أهم تجربة لي في مجال التطوع لما يحمله من معاني جميله وعظيمه وأهداف سامية التي ربما تكون خافية عن عيون من ينظرون بعين المكسب والفائدة المادية و ذوو الرؤية القصيرة.
برنامج أخ كبير أخت كبيرة هو برنامج يقوم بمؤاخاة المتطوع (الأخ/ت الكبير/ة) مع طفل (الأخ الصغير) يعاني ضغطا نفسيا أو يعيش في بيئة غير صحية للتربية قد تؤثر سلبا على تكوين شخصيته في المستقبل أو غيرها من حواجز نفسيه قد تمثل عائقا أمام تطور شخصيته, وبهذا يقوم المتطوع بدور الأخ الكبير للطفل من خلال وقوفه إلى جانب الطفل يمنحه ثقته ويواسي وحدته وكربه, يعلمه مهارات حياتيه مختلفة ويفتح له طاقة للتفريغ والتوجيه السليم وكل ذلك على أساس علمي ومبرمج ومنظم من خلال كراسة غنية بالمعلومات والنشاطات والفعاليات هي كراسة المتطوع التي يوفرها البرنامج بحيث تكون دليل المتطوع للسير مع الطفل بخطوات متتابعة علميه وسليمة دون ارتباك أو عشوائية.
أما أنا فسرعان ما انضممت إلى أسرة البرنامج في منطقتنا منطقة عزون/قلقيلية ضمن فريق من المتطوعين الذين يتصفون بخير ما يمدح به الإنسان, كعائلة يسودها الاحترام والتعاون, ومجموعة من الأطفال كل منهم يحكي حكايته في هذه الدنيا. الطفلة التي أصبحت أختي الصغيرة كان معها اللقاء الأول وفيه اتفقنا أن تناديني أخي وأناديها أختي, تعارفنا وتحدثنا وانتهينا من اللقاء بحماسة ورغبه بالاستمرار. شعور جميل أن ترى نفسك ترعى إنسانا تراه يرى فيك القدوة والملاذ الآمن, و الأجمل أن ترى مجموعه من الأطفال يتسارعون من اجل البسمة التي حرموا منها ربما طويلا.
تجربتي في التطوع مع برنامج الأخ الكبير الأخت الكبيرة أضاف إلي الكثير الكثير, فأرى فيه بيئة للعطاء دون انتظار لاي مردود, وأرى فيه تواصلا مع المجتمع وارى فيه مدرسة علمتني على المستوى الشخصي والثقافي فهي مدرسة تصقل المواهب وتعلم الصبر والصمود من أجل الاستمرار.
وتوالت اللقاءات لقاء تلو لقاء مع الأخت الصغيرة و فعاليات ومشاركات تضمنت نشاطات تفريغ والعاب مسليه هادفة وإرشادات و ندوات و مع كل هذه العناصر تشكل جو من الاندماج مع البرامج وتشكلت علاقة داخليه تجذبني إليه وتجعلني من الصعب أن أتخلى عنه, بالاضافه إلى نمو مساحة القدرة على الاتصال والتواصل مع الآخرين من القائمين على البرنامج و الأخوة المتطوعون و الاخوه الأطفال , فكل هذا جعل من البرنامج ليس مجرد برنا مج نقوم من خلاله بمهام فقط بل اصبح مجتمعا مصغرا يجمع الجميع مع قاعدة التفاهم والعطاء والمشاركة والإبداع.
و أقول لإخوتي المتطوعين عليكم أن تتحسسوا جوهر التطوع ومعناه وان تستخلصوا الفائدة والخبرة والمهارة وقد وضعتم أقدامكم في هذا البرنامج و أؤكد لكم إن أقدامكم في المكان الصحيح فاستمروا بحيوية ونشاط, متحليين بالصبر وطول النفس, ومن هنا انصح خاصة فئة الشباب الذين لم يتطوعوا بأن يتطوعوا, المتطوعين انصحهم بالاستمرار وعدم الملل أو التسرب و انصح المتطوعين المستمرين بأن يخلصوا لان الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه ,ولا تنسى أن الله يراك فان أحسنت فانك تحسن لنفسك .
برنامجنا العزيز كم أنا فخور بك وسعيد من أجلك وأنت تحقق النجاح بأناس ناجحون ومخلصون...
بقلم: مراد خروب