الأمام الأعظم أبو حنيفة النعمان.. سيرة عطرة وحياة زاهدة..
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الكوفي. ان هذه الشخصية العراقية الاصيلة، مثل معظم الشخصيات العراقية في الفترة العباسية، قد قام المستشرقون الغربيون ومعهم للأسف جوقة من المؤرخين العراقيين والعرب، بسلخه عن هويته العراقية واحتسابه بكل بساطة على(الموالي الاعاجم)!! وقد اعتمدوا في تشويههم هذا على عبارة واحدة قيلت عنه بأن اصل جده من(كابل) أي(كابول) في افغانستان الحالية. بينما تم التغاضي تماما عن المصادر الاخرى والكثيرة التي تقول ان جده من(بابل) وليس من(كابل)، او من(الانبار) !! وفي كل الاحوال ان هذا المثقف الكبير والفقيه الاصيل، كان عراقيا كوفيا بمولده هو ومولد ابيه وامه وتربيته وثقافته، ثم انه دفن في بغداد(منطقة الاعظمية)، وحتى مذهبه(الحنفي) اطلق عليه(مذهب اهل العراق)!!
أدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة، وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة، أو إحدى وستين، في الكوفة.تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق(ع). لهذا فأن المذهب الحنفي يعتبر من اقرب المذاهب السنية قربا للمذهب الجعفري الشيعي. ولاستناد هذا المذهب على(الاجتهاد)، فأن العديد من رجال الصفوة الدينية يضفون على مذهبه صفة(الديمقراطية)، لقوله : ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس تكون، وما جاء عن الصحابة اخترنا وما كان ذلك، فهم رجال ونحن رجال. ومن ميزات هذه الامام الصالح، انه رفض تماما التواطئ مع الظلم رغم كل الاغراءات والضغوطات التي تعرض اليها، ورفض بصورة قاطعة ان يلبي طلب الخليفة(ابو جعفر المنصور) ليصبح قاضيا، حتى غضب عليه هذا الخليفة وسجنه الومات في السجن، سنة خمسين ومائة للهجرة، وقيل بل خرج ثم مات في بغداد.
حياة حافلة بالزهد والتقوى
عاش النعمان بن ثابت ـ كنيته أبو حنيفة ـ في آخر عصر بني أمية وأول عصر بني العباس، وكان مبدأه في الحياة ان يكرم نفسه وعلمه، وعقد عزمه على ان يأكل من كسب يده. دعاه الخليفة المنصور ذات مرة الى زيارته، فلما كان عنده أكرمه ورحب به وقربه من مجلسه وجعل يسأله عن كثير من شئون الدين والدنيا، فلما أراد الانصراف دفع اليه بكيس من النقود فيه ثلاثون الف درهم مع ان المنصور كان يعرف عنه البخل والشح ولكن الامام ابي حنيفة النعمان رضي الله عنه قال: (( يا أمير المؤمنين اني غريب في بغداد وليس لهذا المال موضع عندي ـ واني اخاف عليه فاحفظه لي في بيت المال حتى اذا احتجته طلبته منك. فأجابه المنصور الى رغبته، ولكن أبا حنيفة توفي بعد الحادث بقليل، ووجد في بيته ودائع للناس تزيد على اضعاف هذا المبلغ.فلما سمع المنصور بذلك قال: يرحم الله ابا حنيفة فقد خدعنا وأبى ان يأخذ شيئا منا، وتلطف في ردنا )).
ولاعجب في ذلك فلقد كان مبدأ الامام ابي حنيفة " ان ما أكل امرؤ لقمة ازكى ولا أعز من لقمة يأكلها من كسب يده". ولذلك كان يخصص جزءا من وقته للتجارة، وكان يتاجر في الصفوف والحرير وكانت تجارة رابحة وكان متجره معروفا يقصده الناس فيجدون فيه الصدق في المعاملة والأمانة في الأخذ والعطاء، وكانت تجارته تدر عليه خيرا وفيرا، وتهبه من فضل الله مالا كثيرا.
وكان رحمه الله يأخذ المال من حله ويضعه في محله وكان كلما حال عليه الحول، احصى ارباحه من تجارته، واستبقى منها ما يكفيه لتجارته ثم يشتري بالباقي حوائج القراء، والمحدثين والفقهاء وطلاب العلم، وأقواتهم وكسوتهم، وكان يقول لهم "هذه أرباح بضعائكم أجراها الله لكم على يدي. والله ما أعطيتكم من مالي شيئا وإنما هو فضل الله علي فيكم".
في يوم جاءته امرأة عجوز تطلب ثوبا من حرير، فلما أخرج لها الثوب المطلوب قالت له: اني امرأة عجوز ولا علم لي بالاثمان، فبعني الثوب بالثمن الذي اشتريته واضف اليه قليلا من الربح فاني ضعيفة فقال لها :" إني اشتريت ثوبين اثنين في صفقة واحدة ثم إني بعت احدهما برأس المال الا اربعة دراهم فخذيه بها ولا أريد منك ربحا "
ويروى أن الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، رأى أحد جلسائه وعليه ثياب رثة فلما انصرف الناس، ولم يبق في المجلس الا هو والرجل قال له :" ارفع هذا المصلى وخذ ما تحته" فرفع الرجل المصلى فاذا تحته الف درهم فقال له أبوحنيفة : "خذها وأصلح بها من شأنك"، فقال الرجل اني موسر وقد أنعم الله علي، ولا حاجة لي بها فقال له أبو حنيفة:" إذا كان قد انعم عليك فاين اثار نعمته؟ اما بلغك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده) فينبغي عليك ان تصلح من شأنك حتى لا تحزن صديقك".
وكان من جود وكرم ابي حنيفة رحمه الله ورضي الله عنه، انه كان إذا انفق على عياله نفقة تصدق بمثلها على غيرهم من المحتاجين.وإذا اكتسى ثوبا جديدا كسى المساكين بقدر ثمنه، وكان اذا وضع الطعام بين يديه عرف منه ضعف ما يأكله عادة ودفع به الى الفقراء.
وكان لأبي حنيفة شريك في بعض تجارته واسمه حفص بن عبدالرحمن. فكان أبو حنيفة يجهز له أمتعة الخز(الحرير) ويبعث بها معه الى بعض مدن العراق. فجهز له ذات مرة متاعا كثيرا واعلمه ان فيه ثوب فيه كذا وكذا من العيوب وقال له :" إذا هممت ببيعها فبين للمشتري ما فيها من عيب"، فباع حفص، المتاع كله، ونسي ان يعلم المشتري بما في الثوب من عيوب. فلما عرف بذلك ابو حنيفة، بحث عن الذين اخذوا هذه التجارة التي بها عيبا فلم يجدوهم، فأخرج ابو حنيفة ثمن البضاعة كلها زكاة وصدقة.
وكان من اخلاق ابي حنيفة رضي الله عنه ـ انه كان طيب المعاشرة ـ حلو المؤانسة يسعد به جليسه ولا يتعب به من غاب عنه، ولو كان عدوا له، حدث أحد اصحابه قال: سمعت عبدالله بن المبارك، يقول لسفيان الثوري يا أباعبدالله، ما أبعد ابي حنيفة عن الغيبة، فان ما سمعته يذكر عدوا له بسوء قط، فقال له سفيان: ان ابا حنيفة اعقل من ان نسلط على حسناته ما يذهب بها.
وكان الامام ابو حنيفة رضي الله عنه، مولعا باقتناص ود الناس حريصا على استدامة صداقتهم، وقد عرف عنه انه ربما مر به الرجل من الناس، فقعد في مجلسه من غير قصد ولا مجالسة فاذا قام سأل عنه فان كانت حاجة او فقر أعانه وان كان به مرض عاده، وان كانت له حاجة قضاها حتى يجره الى مواصلته جرا.
في يوم جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه ؟ قالت : مائة، قال : هو خير من ذلك بكم تقولين ؟ فزادت مائة، قال : هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة، قال : هو خير من ذلك، قالت : تهزأ بي ؟ قال : هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراه أبو حنيفة بخمسمائة.
عرف عن الإمام أبو حنيفة عليه رحمة الله تعالى بأنه كان صوام النهار وقوام الليل، صديقا للقرآن الكريم، مستغفرا في الاسحار وكان من اسباب تعمقه في العبادة انه اقبل ذات يوم على جماعة من الناس فسمعهم يقولون، ان هذا الرجل الذي ترونه لا ينام الليل، فلما سمعهم قال: "إني عند الناس على خلاف ما أنا عليه عند الله تعالى.والله لا يتحدث الناس عني منذ الساعة بما لا أفعل، ولن أتوسد فراشا بعد اليوم حتى القى الله ".
عرف عن الإمام أبي حنيفة انه صلى الفجر بوضوء العشاء نحو من اربعين سنة، ما ترك ذلك خلالها مرة واحدة وكان اذا قرأ(سورة الزلزلة) اقشعر جلده، وخاف قلبه ويقول:" يا من يجزي بمثقال ذرة خيرا فخير، ويامن يجزي بمثقال ذرة شرا شرا أجر عبدك النعمان من النار، وباعد بينه وبين ما يقربه منها".
جاء في(سير أعلام النبلاء) : عن الشافعي قال قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
ضريح الإمام أبو حنيفة
قبره في الاعظمية ببغداد مزار معروف. روى الخطيب في تاريخه عن علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : اني لاتبرك بأبي حنيفة وأجي إلى قبره في كل يوم ـ يعني زائرا ـ فاذاعرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت الى قـبـره وسـالـت اللّه تـعـالـى الـحـاجة عنده فما تبعد[عني ] حتى تقضى.
وقـال ابـن الجوزي في المنتظم: في هذه الايام ـ يعني سنة(459) ـ بنى ابو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد ابي حنيفة، وعمل لقبره ملبنا، وعقد القبة وعمل المدرسة بازائه، وانزلها الفقها ورتب لهم مدرسا، فدخل ابو جعفر ابن البياضي الى الزيارة فقال ارتجالا :
الم تر ان العلم كان مضيعا فجمعه هذا المغيب في اللحد.
كذلك كانت هذه الارض ميتة فانشرها جود العميد ابي سعد.
ثم قال ان بناء الضريح قد تم سنة ست وثلاثين واربعمائة هجرية.. . وكان الشخص الذي انفق على البناء رجل تركي قدم الى بغداد حاجا. كذلك قام بعض امراء التركمان بالصرف على اتمام البناء. وقام (ا شرف الملك) باعادة البناء وتأسيس المشهد الحالي في القرن الخامس الهجري. ويقال انهم اضطروا لنقل بقايا الموتى الذين تم دفنهم حول الضريح، الى بقعة بعيدة. وقد تم حفر اساس القبة حتى سبعى عشر ذراعا في ستة عشر ذراعا حتى بلغوا الارض الصلبة.
وقال ابن خلكان في تاريخه : قبره مشهور يزار، بني عليه المشهدوالقبة سـنـة(459).وقـال ابـن جـبـيـر فـي رحـلـتـه(ص 180) : وبـالرصافة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الامام ابي حنيفة(رض).
وقـال ابـن بـطـوطـة فـي رحـلته(1/142) : قبر الامام ابي حنيفة(رض) عليه قـبـة عظيمة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الـطـعـام فيها ما عدا هذه الزاوية ثم عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال : واهل بغداد لـهم في كل جمعة يوم لزيارة شيخ من هؤلا المشايخ، ويوم لشيخ آخر يليه، هكذا الى آخر الاسبوع.
وقـال ابـن حجر في الخيرات: ان الامام الشافعي ايام كان ببغداد، كان يتوسل(يطلب الشفاعة) من الامام ابـي حـنـيـفـة، ويـجـي الـى ضـريحه يزور فيسلم عليه، ثم يتوسل الى اللّه تعالى به في قضاء حاجته.
هولاكو جنكيز خان
هولاكو خان (1217-1265) هو حفيد جنكيز خان و أخ كوبلاي خان و مونكو خان .
هولاكو ابن تولي -ومن أم مسيحية- أرسل من قبل أخيه مونكو في عام 1255 لإكمال ثلاث مهمات في جنوب غرب آسيا, الاولى كانت لإخضاع قبيلة اللُر -أناس في جنوب إيران، من ما يسمى لرستان، ثانيا تدمير طائفة الحشاشين, وثالثا تدمير الخلافة العباسية في بغداد.
حملة هولاكو على إيران
لم يكن هولاكو قد جاوز السادسة والثلاثين من عمره حين عهد إليه أخوه "منكوقا آن" بهذه المهمة فخرج على رأس جيش هائل قُدّر بنحو 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول، بالإضافة إلى كبار القادة والفرسان، وحرص الخان الأكبر أن يوصي أخاه قبل التحرك بأن يلتزم بالعادات والتقاليد ويطبّق قوانين جده جنكيز خان، وأن يكون هدفه هو إدخال البلاد من ضفاف نهر "جيحون" حتى مصر في دولة المغول، وأن يعامل من يخضع لسلطانه معاملة طيبة، ويذيق الذل من يبدي المقاومة حتى ولو كان الخليفة العباسي نفسه، فعليه أن يزيحه ويقضي عليه إذا ما اعترض طريقه.
وحقق هولاكو هدفه الأول بالاستيلاء على قلاع طائفة الإسماعيلية سنة (654هـ = 1256م) بعد معارك عديدة واستماتة بذلها أفراد الطائفة في الدفاع عن حصونهم وقلاعهم، لكنها لم تُجدِ نفعا إزاء قوة الجيش المغولي، وكان لقضاء المغول على هذه الطائفة المنحرفة وقع حسن وأثر طيب في نفوس العالم الإسلامي، وعمّه الفرح على الرغم مما كان يعانيه من وحشية المغول وسفكهم للدماء؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الهلع والفزع في النفوس، وتشيع المفاسد والمنكرات والأفكار المنحرفة.
هولاكو في بغداد
مضى هولاكو في تحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فأرسل إلى الخليفة المستعصم بالله يتهدده ويتوعده، ويطلب منه الدخول في طاعته وتسليم العاصمة، ونصحه بأن يسرع في الاستجابة لمطالبه؛ حتى يحفظ لنفسه كرامتها ولدولته أمنها واستقرارها:"عندما أقود جيشي إلى بغداد في حالة غضب, ساقبض عليك سواء أختبئت في الجنة أو في الارض. ساحرق مدينتك وأرضك و شخصك. أذا كنت حقا تريد حماية نفسك و عائلتك الموقرة, أسمع نصيحتي, وأن أبيت ذلك فسترى مشيئة الله فيك."، لكن الخليفة رفض هذا الوعيد وقرر أن يقاوم، على الرغم من ضعف قواته وما كان عليه قادته من خلاف وعداء، فضرب هولاكو حصاره على المدينة المنكوبة التي لم تكن تملك شيئا يدفع عنها قدَرَها المحتوم، فدخل المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م) وارتكب هولاكو وجنوده من الفظائع ما تقشعر لهوله الأبدان.
اهتز العالم الإسلامي لسقوط الخلافة العباسية التي أظلّت العالم الإسلامي أكثر من خمسة قرون، وبلغ الحزن الذي ملأ قلوب المسلمين مداه حتى إنهم ظنوا أن العالم على وشك الانتهاء، وأن الساعة آتية عما قريب لهول المصيبة التي حلّت بهم، وإحساسهم بأنهم أصبحوا بدون خليفة، وهو أمر لم يعتادوه منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).
هولاكو يجتاح الشام
شرع هولاكو بعد سقوط بغداد في الاستعداد للاستيلاء على بلاد الشام ومصر، وفق الخطة المرسومة التي وضعها له أخوه "منكوقا آن" فخرج من أذربيجان في رمضان (657هـ = 1259م) متجها إلى الشام، ونجح بالتعاون مع حلفائه المسيحيين في الاستيلاء على "ميافارقين" بديار حلب، وهي أول مدينة تبتدئ بها الحملة المغولية، ولم تسقط إلا بعد عامين من الحصار، نفدت خلالها المؤن، وهلك معظم سكان المدينة، وبعد سقوط "ميافارقين" واصل هولاكو زحفه نحو "ماردين" فسقطت بعد ثمانية أشهر، وفي أثناء حصار "ميافارقين" كانت قوات من جيش هولاكو تغزو المناطق المحاورة فاستولت على "نصيبين" و"حران" و"الرها" و"البيرة".
بعد ذلك تقدم هولاكو على رأس قواته لمحاصرة حلب، ونصب المغول عشرين منجنيقا حول المدنية وصاروا يمطرونها بوابل من القذائف حتى استسلمت في (التاسع من صفر 658هـ= الحادي والثلاثون من يناير 1260م) وبعد حلب سقطت قلعة "حارم" و"حمص" و"المعرة"، وأصبح طريق الحملة مفتوحا إلى دمشق.
ولما وصلت الأنباء باقتراب المغول من دمشق فرَّ الملك "الناصر يوسف الأيوبي" مع قواته، تاركا مدينته لمصيرها المحتوم، ولم يكن أمام أهالي دمشق بعدما عرفوا ما حل بحلب بعد مقاومتها لهولاكو سوى تسليم مدينتهم، حتى لا تلقى مصير حلب، فسارع عدد من أعيانها إلى زعيم المغول يقدمون الهدايا ويطلبون منه الأمان، في مقابل تسليم مدينتهم فقبل هولاكو ذلك، ودخل المغول المدينة في (السابع عشر من صفر 658هـ= 2 من فبراير 1260م).
رحيل هولاكو المفاجئ إلى إيران
أدى تحقيق الانتصارات المتتالية للمغول إلى الاعتقاد بأنه لن تستطيع قوة في الأرض أن تتصدى لهم، وأن هؤلاء بلاء من الله سلطه على المسلمين الذين ركنوا إلى الراحة وأهملوا قرآنهم وسُنّة نبيهم وخارت عزائمهم.. وفي وسط هذه الحيرة جاءت الأنباء إلى هولاكو بوفاة أخيه "منكوقا آن خان" في (شعبان 657هـ= أغسطس 1259م) وكان عليه أن يكون قريبا من عملية اختيار خان جديد للمغول، ويساند ترشيح أخيه الأوسط "قوبيلاي" لهذا المنصب، فاضطر إلى العودة إلى إيران وكان في نيته أن يكتفي بما حققه، ولكنه عدل عن ذلك بسبب إلحاح القوات المسيحية التي كانت معه على الاستمرار في الغزو واستعادة بيت المقدس من المسلمين، فأبقى قوة من عساكره تحت إمرة أمهر قواده كيتوبوما (كتبغا) لإتمام عملية الغزو.
انتهاء أسطورة المغول في عين جالوت
وقبل أن يغادر هولاكو الشام (سنة 658هـ = 1260م) أرسل إلى قطز رسالة كلها وعيد وتهديد، يدعوه فيها إلى الاستسلام وإلقاء السلاح، وأنه لا جدوى من المقاومة أمام قوة كُتب النصر لها دائما، غير أن السلطان قطز لم يهتز لكلمات هولاكو، أو يتملكه الخوف والفزع كما تملك غيره من قادة الشام فآثروا الهوان على العزة والكرامة، والحياة تحت سلطان وثني على الموت والاستشهاد دفاعا عن الدين والوطن.
وكان قطز على قدر الحدث العظيم والخطب الجلل، فقتل رُسل هولاكو، وخرج للقتال ولم ينتظر قدوم المغول، والتقى الفريقان في (15 من رمضان 658هـ = 24 من أغسطس 1260م) في موقعه "عين جالوت" بفلسطين، وحمل المسلمون على المغول الذين كانوا تحت قيادة كتبغا حملة صادقة، وقاتلوهم باستبسال وشجاعة من الفجر حتى منتصف النهار، فكتب الله لهم النصر، وهُزِم المغول هزيمة منكرة لأول مرة في تاريخهم، بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصر عليهم.
وكان لهذا النصر أثره العظيم في تاريخ المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بل في تاريخ العالم بأسره؛ حيث احتفظت مصر بما لها من حضارة ومدنية، وطردت المغول من دمشق، وأصبحت بلاد الشام حتى نهر الفرات تحت حكم المماليك، وخلّصت أوربا من شر عظيم لم يكن لأحد من ملوكها قدرة على دفعه ومقاومته.
هولاكو بعد الهزيمة
حاول هولاكو أن يثأر لهزيمة جيشه في عين جالوت، ويعيد للمغول هيبتهم في النفوس؛ فأرسل جيشا إلى حلب فأغار عليها ونهبها، ولكنه تعرّض للهزيمة بالقرب من حمص في المحرم (659هـ = ديسمبر 1260م) فارتد إلى ما وراء نهر الفرات.
ولم تساعد الأحوال السياسية المغولية في أن يعيد هولاكو غزواته على الشام ويستكمل ما بدأه، فبعد موت "منكوقا آن" تنازع أمراء البيت الحاكم السلطة وانقسمت الإمبراطورية المغولية إلى ثلاث خانات مستقلة، استقل هولاكو بواحدة منها هي خانية فارس، ثم دخل هولاكو في صراع مع "بركة خان" القبيلة الذهبية، مغول القبجاق (جنوب روسيا) واشتعلت الحرب بينهما.
وكان هولاكو يعد نفسه نصيرًا وحاميًا للمسيحية بتأثير زوجته "طقز خاتون" في الوقت الذي أسلم فيه بركة خان ومال إلى نصرة المسلمين، وأدى هذا الصراع إلى تعطل النشاط الحربي لهولاكو في الشام، ثم ما لبث أن أدى نشوب الحروب الداخلية بين أمراء المغول إلى توقف عمليات الغزو والتوسع تماما.
هولاكو يشجع العلماء
مرصد مراغة
وعلى الرغم مما اشتهر به هولاكو من قوة وغلظة وإسراف في القتل وسفك الدماء، فإنه لم يغفل تشجيع رجال الأدب والعلم، فحظي "الجويني" المؤرخ الفارسي المعروف بتقدير هولاكو، ونجح في إقناع هولاكو بألا يحرق مكتبة الإسماعيلية، وكان من نتيجة ارتحاله إلى منغوليا ووقوفه على الأحوال هناك أن ألّف كتاب "تاريخ جنكيز خان وأخلافه". ويؤثر عنه أنه كلف العالم الرياضي "نصير الدين الطوسي" ببناء مرصد في مدينة "مراغة" زوده بأدق الأجهزة المعروفة في زمانه، ويقال بأن المكتبة التي أنشأها الطوسي وألحقها بالمرصد كانت تحوي ما يزيد على 400 ألف مجلد.
وفاة هولاكو
وفي (19 من ربيع الأول 663هـ 9 من يناير 1265م) توفي هولاكو بالقرب من مراغة وهو في الثامنة والأربعين من عمره، تاركا لأبنائه وأحفاده مملكة فسيحة عرفت بإيلخانية فارس، ولم تلبث زوجته "طقز خاتون" أن لحقت به، وحزن لوفاتهما المسيحيون بالشرق، وعدّوهما من القديسين.
مصطفى البارزاني
رجل أثار الجدل وشغل المنطقة لنحو ربع قرن، يصفه الكرد بالزعيم الخالد، ويطلق عليه خصومه أوصافا تبدأ بالدهاء ولا تنتهي بالخيانة، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر على الملا مصطفى البارزاني إصراره وقدرته على المناورة السياسية وزعامته للحركة الكردية في العراق طوال عدة عقود بلا منازع.
سمي بالملا لمكانة عائلته الدينية التي ورثتها عن جده وأبيه، وبدأ في عمر مبكر رحلة العمل المسلح، فقد شارك على رأس قوة من مائتي مقاتل في حركة الشيخ محمود الحفيد عام 1919 بينما كان في السادسة عشرة فقط، وسافر عام 1920 إلى تركيا مبعوثا من أخيه الأكبر أحمد البارزاني للتنسيق مع الشيخ سعيد بيران الذي قاد بعد ذلك حركة واسعة ضد حكم أتاتورك، وبعد ذلك بنحو عقد كان قد بدأ رحلة طويلة من التحرك المسلح ضد الحكومات العراقية حتى موته.
في عام 1932 شارك بصحبة أخيه في مقاتلة القوات العراقية المدعومة من البريطانيين، لكن الحركة فشلت، ونفي الملا مصطفى إلى السليمانية عام 1933 حيث بقي عشر سنوات ليهرب بعدها عائدا إلى قريته بارزان التابعة لأربيل شمال العراق.
في عام 1945 عاد لمقاتلة القوات العراقية، لكن حركته انتهت ليتوجه إلى مهاباد الإيرانية حيث أعلنت أول جمهورية كردية بمساعدة السوفيات عام 1946، وليتولى هناك قيادة جيش الجمهورية الناشئة بعد أن منحته موسكو رتبة جنرال حتى لقب لفترة بالجنرال الأحمر.
كان من بين قادة جمهورية مهاباد القلائل الذين تمكنوا من الهرب قبل انهيار تلك التجربة الكردية في نفس عام إنشائها، فقد نجا من جيش شاه إيران الذي اقتحم مهاباد وأعدم رئيسها ومساعديه، لكنه قبل ذلك كان قد أسس في مهاباد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي عرف آنذاك بالبارتي، وأرسل مساعديه إلى السليمانية ليعقدوا أولى مؤتمرات الحزب هناك.
هرب إلى الاتحاد السوفياتي بعد أن ضاقت به السبل، ولم يعد منها إلى العراق إلا بعد ثورة تموز 1958 التي أطاحت بالملكية، حيث استقبله زعيم الثورة عبد الكريم قاسم بحفاوة ومنحه الكثير من الامتيازات، لكن ذلك لم يكن كافيا لحل المشكلة الكردية، فاستأنف الملا مصطفى عام 1961 حركته المسلحة ضد قاسم التي استمرت هذه المرة أربعة عشر عاما متصلة برغم تغير الوجوه والنظم الحاكمة في بغداد.
في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة الملا مصطفى، فانهارت قواته على الفور وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى إيران ثم إلى أميركا قبل أن يموت هناك عام 1979 متأثرا بمرض السرطان.
خلال حياته تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة، فقد تحالف مع إيران وسوريا وأميركا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي وإسرائيل من أجل تحقيق أهدافه، لكن خصومه الذين يعترفون بدهائه السياسي والعسكري يتهمونه بتفويت فرص عديدة للحل وبالارتهان للقوى الأجنبية التي دعمته على حساب الأمن العراقي لا سيما من خلال علاقاته الوثيقة مع إسرائيل، أما أنصاره فيقولون إنه من وضع القضية الكردية على الطاولة الدولية وإنه فعل ما كان يتوجب فعله لخدمة قضية الكرد حسب وصفهم.
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الكوفي. ان هذه الشخصية العراقية الاصيلة، مثل معظم الشخصيات العراقية في الفترة العباسية، قد قام المستشرقون الغربيون ومعهم للأسف جوقة من المؤرخين العراقيين والعرب، بسلخه عن هويته العراقية واحتسابه بكل بساطة على(الموالي الاعاجم)!! وقد اعتمدوا في تشويههم هذا على عبارة واحدة قيلت عنه بأن اصل جده من(كابل) أي(كابول) في افغانستان الحالية. بينما تم التغاضي تماما عن المصادر الاخرى والكثيرة التي تقول ان جده من(بابل) وليس من(كابل)، او من(الانبار) !! وفي كل الاحوال ان هذا المثقف الكبير والفقيه الاصيل، كان عراقيا كوفيا بمولده هو ومولد ابيه وامه وتربيته وثقافته، ثم انه دفن في بغداد(منطقة الاعظمية)، وحتى مذهبه(الحنفي) اطلق عليه(مذهب اهل العراق)!!
أدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة، وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة، أو إحدى وستين، في الكوفة.تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق(ع). لهذا فأن المذهب الحنفي يعتبر من اقرب المذاهب السنية قربا للمذهب الجعفري الشيعي. ولاستناد هذا المذهب على(الاجتهاد)، فأن العديد من رجال الصفوة الدينية يضفون على مذهبه صفة(الديمقراطية)، لقوله : ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس تكون، وما جاء عن الصحابة اخترنا وما كان ذلك، فهم رجال ونحن رجال. ومن ميزات هذه الامام الصالح، انه رفض تماما التواطئ مع الظلم رغم كل الاغراءات والضغوطات التي تعرض اليها، ورفض بصورة قاطعة ان يلبي طلب الخليفة(ابو جعفر المنصور) ليصبح قاضيا، حتى غضب عليه هذا الخليفة وسجنه الومات في السجن، سنة خمسين ومائة للهجرة، وقيل بل خرج ثم مات في بغداد.
حياة حافلة بالزهد والتقوى
عاش النعمان بن ثابت ـ كنيته أبو حنيفة ـ في آخر عصر بني أمية وأول عصر بني العباس، وكان مبدأه في الحياة ان يكرم نفسه وعلمه، وعقد عزمه على ان يأكل من كسب يده. دعاه الخليفة المنصور ذات مرة الى زيارته، فلما كان عنده أكرمه ورحب به وقربه من مجلسه وجعل يسأله عن كثير من شئون الدين والدنيا، فلما أراد الانصراف دفع اليه بكيس من النقود فيه ثلاثون الف درهم مع ان المنصور كان يعرف عنه البخل والشح ولكن الامام ابي حنيفة النعمان رضي الله عنه قال: (( يا أمير المؤمنين اني غريب في بغداد وليس لهذا المال موضع عندي ـ واني اخاف عليه فاحفظه لي في بيت المال حتى اذا احتجته طلبته منك. فأجابه المنصور الى رغبته، ولكن أبا حنيفة توفي بعد الحادث بقليل، ووجد في بيته ودائع للناس تزيد على اضعاف هذا المبلغ.فلما سمع المنصور بذلك قال: يرحم الله ابا حنيفة فقد خدعنا وأبى ان يأخذ شيئا منا، وتلطف في ردنا )).
ولاعجب في ذلك فلقد كان مبدأ الامام ابي حنيفة " ان ما أكل امرؤ لقمة ازكى ولا أعز من لقمة يأكلها من كسب يده". ولذلك كان يخصص جزءا من وقته للتجارة، وكان يتاجر في الصفوف والحرير وكانت تجارة رابحة وكان متجره معروفا يقصده الناس فيجدون فيه الصدق في المعاملة والأمانة في الأخذ والعطاء، وكانت تجارته تدر عليه خيرا وفيرا، وتهبه من فضل الله مالا كثيرا.
وكان رحمه الله يأخذ المال من حله ويضعه في محله وكان كلما حال عليه الحول، احصى ارباحه من تجارته، واستبقى منها ما يكفيه لتجارته ثم يشتري بالباقي حوائج القراء، والمحدثين والفقهاء وطلاب العلم، وأقواتهم وكسوتهم، وكان يقول لهم "هذه أرباح بضعائكم أجراها الله لكم على يدي. والله ما أعطيتكم من مالي شيئا وإنما هو فضل الله علي فيكم".
في يوم جاءته امرأة عجوز تطلب ثوبا من حرير، فلما أخرج لها الثوب المطلوب قالت له: اني امرأة عجوز ولا علم لي بالاثمان، فبعني الثوب بالثمن الذي اشتريته واضف اليه قليلا من الربح فاني ضعيفة فقال لها :" إني اشتريت ثوبين اثنين في صفقة واحدة ثم إني بعت احدهما برأس المال الا اربعة دراهم فخذيه بها ولا أريد منك ربحا "
ويروى أن الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، رأى أحد جلسائه وعليه ثياب رثة فلما انصرف الناس، ولم يبق في المجلس الا هو والرجل قال له :" ارفع هذا المصلى وخذ ما تحته" فرفع الرجل المصلى فاذا تحته الف درهم فقال له أبوحنيفة : "خذها وأصلح بها من شأنك"، فقال الرجل اني موسر وقد أنعم الله علي، ولا حاجة لي بها فقال له أبو حنيفة:" إذا كان قد انعم عليك فاين اثار نعمته؟ اما بلغك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده) فينبغي عليك ان تصلح من شأنك حتى لا تحزن صديقك".
وكان من جود وكرم ابي حنيفة رحمه الله ورضي الله عنه، انه كان إذا انفق على عياله نفقة تصدق بمثلها على غيرهم من المحتاجين.وإذا اكتسى ثوبا جديدا كسى المساكين بقدر ثمنه، وكان اذا وضع الطعام بين يديه عرف منه ضعف ما يأكله عادة ودفع به الى الفقراء.
وكان لأبي حنيفة شريك في بعض تجارته واسمه حفص بن عبدالرحمن. فكان أبو حنيفة يجهز له أمتعة الخز(الحرير) ويبعث بها معه الى بعض مدن العراق. فجهز له ذات مرة متاعا كثيرا واعلمه ان فيه ثوب فيه كذا وكذا من العيوب وقال له :" إذا هممت ببيعها فبين للمشتري ما فيها من عيب"، فباع حفص، المتاع كله، ونسي ان يعلم المشتري بما في الثوب من عيوب. فلما عرف بذلك ابو حنيفة، بحث عن الذين اخذوا هذه التجارة التي بها عيبا فلم يجدوهم، فأخرج ابو حنيفة ثمن البضاعة كلها زكاة وصدقة.
وكان من اخلاق ابي حنيفة رضي الله عنه ـ انه كان طيب المعاشرة ـ حلو المؤانسة يسعد به جليسه ولا يتعب به من غاب عنه، ولو كان عدوا له، حدث أحد اصحابه قال: سمعت عبدالله بن المبارك، يقول لسفيان الثوري يا أباعبدالله، ما أبعد ابي حنيفة عن الغيبة، فان ما سمعته يذكر عدوا له بسوء قط، فقال له سفيان: ان ابا حنيفة اعقل من ان نسلط على حسناته ما يذهب بها.
وكان الامام ابو حنيفة رضي الله عنه، مولعا باقتناص ود الناس حريصا على استدامة صداقتهم، وقد عرف عنه انه ربما مر به الرجل من الناس، فقعد في مجلسه من غير قصد ولا مجالسة فاذا قام سأل عنه فان كانت حاجة او فقر أعانه وان كان به مرض عاده، وان كانت له حاجة قضاها حتى يجره الى مواصلته جرا.
في يوم جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه ؟ قالت : مائة، قال : هو خير من ذلك بكم تقولين ؟ فزادت مائة، قال : هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة، قال : هو خير من ذلك، قالت : تهزأ بي ؟ قال : هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراه أبو حنيفة بخمسمائة.
عرف عن الإمام أبو حنيفة عليه رحمة الله تعالى بأنه كان صوام النهار وقوام الليل، صديقا للقرآن الكريم، مستغفرا في الاسحار وكان من اسباب تعمقه في العبادة انه اقبل ذات يوم على جماعة من الناس فسمعهم يقولون، ان هذا الرجل الذي ترونه لا ينام الليل، فلما سمعهم قال: "إني عند الناس على خلاف ما أنا عليه عند الله تعالى.والله لا يتحدث الناس عني منذ الساعة بما لا أفعل، ولن أتوسد فراشا بعد اليوم حتى القى الله ".
عرف عن الإمام أبي حنيفة انه صلى الفجر بوضوء العشاء نحو من اربعين سنة، ما ترك ذلك خلالها مرة واحدة وكان اذا قرأ(سورة الزلزلة) اقشعر جلده، وخاف قلبه ويقول:" يا من يجزي بمثقال ذرة خيرا فخير، ويامن يجزي بمثقال ذرة شرا شرا أجر عبدك النعمان من النار، وباعد بينه وبين ما يقربه منها".
جاء في(سير أعلام النبلاء) : عن الشافعي قال قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
ضريح الإمام أبو حنيفة
قبره في الاعظمية ببغداد مزار معروف. روى الخطيب في تاريخه عن علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : اني لاتبرك بأبي حنيفة وأجي إلى قبره في كل يوم ـ يعني زائرا ـ فاذاعرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت الى قـبـره وسـالـت اللّه تـعـالـى الـحـاجة عنده فما تبعد[عني ] حتى تقضى.
وقـال ابـن الجوزي في المنتظم: في هذه الايام ـ يعني سنة(459) ـ بنى ابو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد ابي حنيفة، وعمل لقبره ملبنا، وعقد القبة وعمل المدرسة بازائه، وانزلها الفقها ورتب لهم مدرسا، فدخل ابو جعفر ابن البياضي الى الزيارة فقال ارتجالا :
الم تر ان العلم كان مضيعا فجمعه هذا المغيب في اللحد.
كذلك كانت هذه الارض ميتة فانشرها جود العميد ابي سعد.
ثم قال ان بناء الضريح قد تم سنة ست وثلاثين واربعمائة هجرية.. . وكان الشخص الذي انفق على البناء رجل تركي قدم الى بغداد حاجا. كذلك قام بعض امراء التركمان بالصرف على اتمام البناء. وقام (ا شرف الملك) باعادة البناء وتأسيس المشهد الحالي في القرن الخامس الهجري. ويقال انهم اضطروا لنقل بقايا الموتى الذين تم دفنهم حول الضريح، الى بقعة بعيدة. وقد تم حفر اساس القبة حتى سبعى عشر ذراعا في ستة عشر ذراعا حتى بلغوا الارض الصلبة.
وقال ابن خلكان في تاريخه : قبره مشهور يزار، بني عليه المشهدوالقبة سـنـة(459).وقـال ابـن جـبـيـر فـي رحـلـتـه(ص 180) : وبـالرصافة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الامام ابي حنيفة(رض).
وقـال ابـن بـطـوطـة فـي رحـلته(1/142) : قبر الامام ابي حنيفة(رض) عليه قـبـة عظيمة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الـطـعـام فيها ما عدا هذه الزاوية ثم عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال : واهل بغداد لـهم في كل جمعة يوم لزيارة شيخ من هؤلا المشايخ، ويوم لشيخ آخر يليه، هكذا الى آخر الاسبوع.
وقـال ابـن حجر في الخيرات: ان الامام الشافعي ايام كان ببغداد، كان يتوسل(يطلب الشفاعة) من الامام ابـي حـنـيـفـة، ويـجـي الـى ضـريحه يزور فيسلم عليه، ثم يتوسل الى اللّه تعالى به في قضاء حاجته.
هولاكو جنكيز خان
هولاكو خان (1217-1265) هو حفيد جنكيز خان و أخ كوبلاي خان و مونكو خان .
هولاكو ابن تولي -ومن أم مسيحية- أرسل من قبل أخيه مونكو في عام 1255 لإكمال ثلاث مهمات في جنوب غرب آسيا, الاولى كانت لإخضاع قبيلة اللُر -أناس في جنوب إيران، من ما يسمى لرستان، ثانيا تدمير طائفة الحشاشين, وثالثا تدمير الخلافة العباسية في بغداد.
حملة هولاكو على إيران
لم يكن هولاكو قد جاوز السادسة والثلاثين من عمره حين عهد إليه أخوه "منكوقا آن" بهذه المهمة فخرج على رأس جيش هائل قُدّر بنحو 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول، بالإضافة إلى كبار القادة والفرسان، وحرص الخان الأكبر أن يوصي أخاه قبل التحرك بأن يلتزم بالعادات والتقاليد ويطبّق قوانين جده جنكيز خان، وأن يكون هدفه هو إدخال البلاد من ضفاف نهر "جيحون" حتى مصر في دولة المغول، وأن يعامل من يخضع لسلطانه معاملة طيبة، ويذيق الذل من يبدي المقاومة حتى ولو كان الخليفة العباسي نفسه، فعليه أن يزيحه ويقضي عليه إذا ما اعترض طريقه.
وحقق هولاكو هدفه الأول بالاستيلاء على قلاع طائفة الإسماعيلية سنة (654هـ = 1256م) بعد معارك عديدة واستماتة بذلها أفراد الطائفة في الدفاع عن حصونهم وقلاعهم، لكنها لم تُجدِ نفعا إزاء قوة الجيش المغولي، وكان لقضاء المغول على هذه الطائفة المنحرفة وقع حسن وأثر طيب في نفوس العالم الإسلامي، وعمّه الفرح على الرغم مما كان يعانيه من وحشية المغول وسفكهم للدماء؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الهلع والفزع في النفوس، وتشيع المفاسد والمنكرات والأفكار المنحرفة.
هولاكو في بغداد
مضى هولاكو في تحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فأرسل إلى الخليفة المستعصم بالله يتهدده ويتوعده، ويطلب منه الدخول في طاعته وتسليم العاصمة، ونصحه بأن يسرع في الاستجابة لمطالبه؛ حتى يحفظ لنفسه كرامتها ولدولته أمنها واستقرارها:"عندما أقود جيشي إلى بغداد في حالة غضب, ساقبض عليك سواء أختبئت في الجنة أو في الارض. ساحرق مدينتك وأرضك و شخصك. أذا كنت حقا تريد حماية نفسك و عائلتك الموقرة, أسمع نصيحتي, وأن أبيت ذلك فسترى مشيئة الله فيك."، لكن الخليفة رفض هذا الوعيد وقرر أن يقاوم، على الرغم من ضعف قواته وما كان عليه قادته من خلاف وعداء، فضرب هولاكو حصاره على المدينة المنكوبة التي لم تكن تملك شيئا يدفع عنها قدَرَها المحتوم، فدخل المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م) وارتكب هولاكو وجنوده من الفظائع ما تقشعر لهوله الأبدان.
اهتز العالم الإسلامي لسقوط الخلافة العباسية التي أظلّت العالم الإسلامي أكثر من خمسة قرون، وبلغ الحزن الذي ملأ قلوب المسلمين مداه حتى إنهم ظنوا أن العالم على وشك الانتهاء، وأن الساعة آتية عما قريب لهول المصيبة التي حلّت بهم، وإحساسهم بأنهم أصبحوا بدون خليفة، وهو أمر لم يعتادوه منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).
هولاكو يجتاح الشام
شرع هولاكو بعد سقوط بغداد في الاستعداد للاستيلاء على بلاد الشام ومصر، وفق الخطة المرسومة التي وضعها له أخوه "منكوقا آن" فخرج من أذربيجان في رمضان (657هـ = 1259م) متجها إلى الشام، ونجح بالتعاون مع حلفائه المسيحيين في الاستيلاء على "ميافارقين" بديار حلب، وهي أول مدينة تبتدئ بها الحملة المغولية، ولم تسقط إلا بعد عامين من الحصار، نفدت خلالها المؤن، وهلك معظم سكان المدينة، وبعد سقوط "ميافارقين" واصل هولاكو زحفه نحو "ماردين" فسقطت بعد ثمانية أشهر، وفي أثناء حصار "ميافارقين" كانت قوات من جيش هولاكو تغزو المناطق المحاورة فاستولت على "نصيبين" و"حران" و"الرها" و"البيرة".
بعد ذلك تقدم هولاكو على رأس قواته لمحاصرة حلب، ونصب المغول عشرين منجنيقا حول المدنية وصاروا يمطرونها بوابل من القذائف حتى استسلمت في (التاسع من صفر 658هـ= الحادي والثلاثون من يناير 1260م) وبعد حلب سقطت قلعة "حارم" و"حمص" و"المعرة"، وأصبح طريق الحملة مفتوحا إلى دمشق.
ولما وصلت الأنباء باقتراب المغول من دمشق فرَّ الملك "الناصر يوسف الأيوبي" مع قواته، تاركا مدينته لمصيرها المحتوم، ولم يكن أمام أهالي دمشق بعدما عرفوا ما حل بحلب بعد مقاومتها لهولاكو سوى تسليم مدينتهم، حتى لا تلقى مصير حلب، فسارع عدد من أعيانها إلى زعيم المغول يقدمون الهدايا ويطلبون منه الأمان، في مقابل تسليم مدينتهم فقبل هولاكو ذلك، ودخل المغول المدينة في (السابع عشر من صفر 658هـ= 2 من فبراير 1260م).
رحيل هولاكو المفاجئ إلى إيران
أدى تحقيق الانتصارات المتتالية للمغول إلى الاعتقاد بأنه لن تستطيع قوة في الأرض أن تتصدى لهم، وأن هؤلاء بلاء من الله سلطه على المسلمين الذين ركنوا إلى الراحة وأهملوا قرآنهم وسُنّة نبيهم وخارت عزائمهم.. وفي وسط هذه الحيرة جاءت الأنباء إلى هولاكو بوفاة أخيه "منكوقا آن خان" في (شعبان 657هـ= أغسطس 1259م) وكان عليه أن يكون قريبا من عملية اختيار خان جديد للمغول، ويساند ترشيح أخيه الأوسط "قوبيلاي" لهذا المنصب، فاضطر إلى العودة إلى إيران وكان في نيته أن يكتفي بما حققه، ولكنه عدل عن ذلك بسبب إلحاح القوات المسيحية التي كانت معه على الاستمرار في الغزو واستعادة بيت المقدس من المسلمين، فأبقى قوة من عساكره تحت إمرة أمهر قواده كيتوبوما (كتبغا) لإتمام عملية الغزو.
انتهاء أسطورة المغول في عين جالوت
وقبل أن يغادر هولاكو الشام (سنة 658هـ = 1260م) أرسل إلى قطز رسالة كلها وعيد وتهديد، يدعوه فيها إلى الاستسلام وإلقاء السلاح، وأنه لا جدوى من المقاومة أمام قوة كُتب النصر لها دائما، غير أن السلطان قطز لم يهتز لكلمات هولاكو، أو يتملكه الخوف والفزع كما تملك غيره من قادة الشام فآثروا الهوان على العزة والكرامة، والحياة تحت سلطان وثني على الموت والاستشهاد دفاعا عن الدين والوطن.
وكان قطز على قدر الحدث العظيم والخطب الجلل، فقتل رُسل هولاكو، وخرج للقتال ولم ينتظر قدوم المغول، والتقى الفريقان في (15 من رمضان 658هـ = 24 من أغسطس 1260م) في موقعه "عين جالوت" بفلسطين، وحمل المسلمون على المغول الذين كانوا تحت قيادة كتبغا حملة صادقة، وقاتلوهم باستبسال وشجاعة من الفجر حتى منتصف النهار، فكتب الله لهم النصر، وهُزِم المغول هزيمة منكرة لأول مرة في تاريخهم، بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصر عليهم.
وكان لهذا النصر أثره العظيم في تاريخ المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بل في تاريخ العالم بأسره؛ حيث احتفظت مصر بما لها من حضارة ومدنية، وطردت المغول من دمشق، وأصبحت بلاد الشام حتى نهر الفرات تحت حكم المماليك، وخلّصت أوربا من شر عظيم لم يكن لأحد من ملوكها قدرة على دفعه ومقاومته.
هولاكو بعد الهزيمة
حاول هولاكو أن يثأر لهزيمة جيشه في عين جالوت، ويعيد للمغول هيبتهم في النفوس؛ فأرسل جيشا إلى حلب فأغار عليها ونهبها، ولكنه تعرّض للهزيمة بالقرب من حمص في المحرم (659هـ = ديسمبر 1260م) فارتد إلى ما وراء نهر الفرات.
ولم تساعد الأحوال السياسية المغولية في أن يعيد هولاكو غزواته على الشام ويستكمل ما بدأه، فبعد موت "منكوقا آن" تنازع أمراء البيت الحاكم السلطة وانقسمت الإمبراطورية المغولية إلى ثلاث خانات مستقلة، استقل هولاكو بواحدة منها هي خانية فارس، ثم دخل هولاكو في صراع مع "بركة خان" القبيلة الذهبية، مغول القبجاق (جنوب روسيا) واشتعلت الحرب بينهما.
وكان هولاكو يعد نفسه نصيرًا وحاميًا للمسيحية بتأثير زوجته "طقز خاتون" في الوقت الذي أسلم فيه بركة خان ومال إلى نصرة المسلمين، وأدى هذا الصراع إلى تعطل النشاط الحربي لهولاكو في الشام، ثم ما لبث أن أدى نشوب الحروب الداخلية بين أمراء المغول إلى توقف عمليات الغزو والتوسع تماما.
هولاكو يشجع العلماء
مرصد مراغة
وعلى الرغم مما اشتهر به هولاكو من قوة وغلظة وإسراف في القتل وسفك الدماء، فإنه لم يغفل تشجيع رجال الأدب والعلم، فحظي "الجويني" المؤرخ الفارسي المعروف بتقدير هولاكو، ونجح في إقناع هولاكو بألا يحرق مكتبة الإسماعيلية، وكان من نتيجة ارتحاله إلى منغوليا ووقوفه على الأحوال هناك أن ألّف كتاب "تاريخ جنكيز خان وأخلافه". ويؤثر عنه أنه كلف العالم الرياضي "نصير الدين الطوسي" ببناء مرصد في مدينة "مراغة" زوده بأدق الأجهزة المعروفة في زمانه، ويقال بأن المكتبة التي أنشأها الطوسي وألحقها بالمرصد كانت تحوي ما يزيد على 400 ألف مجلد.
وفاة هولاكو
وفي (19 من ربيع الأول 663هـ 9 من يناير 1265م) توفي هولاكو بالقرب من مراغة وهو في الثامنة والأربعين من عمره، تاركا لأبنائه وأحفاده مملكة فسيحة عرفت بإيلخانية فارس، ولم تلبث زوجته "طقز خاتون" أن لحقت به، وحزن لوفاتهما المسيحيون بالشرق، وعدّوهما من القديسين.
مصطفى البارزاني
رجل أثار الجدل وشغل المنطقة لنحو ربع قرن، يصفه الكرد بالزعيم الخالد، ويطلق عليه خصومه أوصافا تبدأ بالدهاء ولا تنتهي بالخيانة، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر على الملا مصطفى البارزاني إصراره وقدرته على المناورة السياسية وزعامته للحركة الكردية في العراق طوال عدة عقود بلا منازع.
سمي بالملا لمكانة عائلته الدينية التي ورثتها عن جده وأبيه، وبدأ في عمر مبكر رحلة العمل المسلح، فقد شارك على رأس قوة من مائتي مقاتل في حركة الشيخ محمود الحفيد عام 1919 بينما كان في السادسة عشرة فقط، وسافر عام 1920 إلى تركيا مبعوثا من أخيه الأكبر أحمد البارزاني للتنسيق مع الشيخ سعيد بيران الذي قاد بعد ذلك حركة واسعة ضد حكم أتاتورك، وبعد ذلك بنحو عقد كان قد بدأ رحلة طويلة من التحرك المسلح ضد الحكومات العراقية حتى موته.
في عام 1932 شارك بصحبة أخيه في مقاتلة القوات العراقية المدعومة من البريطانيين، لكن الحركة فشلت، ونفي الملا مصطفى إلى السليمانية عام 1933 حيث بقي عشر سنوات ليهرب بعدها عائدا إلى قريته بارزان التابعة لأربيل شمال العراق.
في عام 1945 عاد لمقاتلة القوات العراقية، لكن حركته انتهت ليتوجه إلى مهاباد الإيرانية حيث أعلنت أول جمهورية كردية بمساعدة السوفيات عام 1946، وليتولى هناك قيادة جيش الجمهورية الناشئة بعد أن منحته موسكو رتبة جنرال حتى لقب لفترة بالجنرال الأحمر.
كان من بين قادة جمهورية مهاباد القلائل الذين تمكنوا من الهرب قبل انهيار تلك التجربة الكردية في نفس عام إنشائها، فقد نجا من جيش شاه إيران الذي اقتحم مهاباد وأعدم رئيسها ومساعديه، لكنه قبل ذلك كان قد أسس في مهاباد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي عرف آنذاك بالبارتي، وأرسل مساعديه إلى السليمانية ليعقدوا أولى مؤتمرات الحزب هناك.
هرب إلى الاتحاد السوفياتي بعد أن ضاقت به السبل، ولم يعد منها إلى العراق إلا بعد ثورة تموز 1958 التي أطاحت بالملكية، حيث استقبله زعيم الثورة عبد الكريم قاسم بحفاوة ومنحه الكثير من الامتيازات، لكن ذلك لم يكن كافيا لحل المشكلة الكردية، فاستأنف الملا مصطفى عام 1961 حركته المسلحة ضد قاسم التي استمرت هذه المرة أربعة عشر عاما متصلة برغم تغير الوجوه والنظم الحاكمة في بغداد.
في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة الملا مصطفى، فانهارت قواته على الفور وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى إيران ثم إلى أميركا قبل أن يموت هناك عام 1979 متأثرا بمرض السرطان.
خلال حياته تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة، فقد تحالف مع إيران وسوريا وأميركا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي وإسرائيل من أجل تحقيق أهدافه، لكن خصومه الذين يعترفون بدهائه السياسي والعسكري يتهمونه بتفويت فرص عديدة للحل وبالارتهان للقوى الأجنبية التي دعمته على حساب الأمن العراقي لا سيما من خلال علاقاته الوثيقة مع إسرائيل، أما أنصاره فيقولون إنه من وضع القضية الكردية على الطاولة الدولية وإنه فعل ما كان يتوجب فعله لخدمة قضية الكرد حسب وصفهم.